فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأبعد ما رأينا في الآية أن المعنى فإذا أراد الله تعالى إرسال رسول وبعثة نبي قضى ذلك وأنفذه بالحق وخسر كل مبطل وحصل على فساد آخرته.
{الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام} المراد بها الإبل خاصة كما حكي عن الزجاج واختاره صاحب الكشاف، واللام للتعليل لا للاختصاص فإن ذلك هو المعروف في نظير الآية أي خلقها لأجلكم ولمصلحتكم، وقوله تعالى: {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا} إلخ تفصيل لما دل عليه الكلام إجمالًا، ومن هنا جعل ذلك بعضهم بدلًا مما قبله بدل مفصل من مجمل بإعادة حرف الجر، ومِنْ لابتداء الغاية أي ابتداء تعلق الركوب بها أو تبعيضية وكذا مِنْ في قوله تعالى: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وليس المراد على إرادة التبعيض أن كلًا من الركوب والأكل مختص ببعض معين منها بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر بل على أن كل بعض منها صالح لكل منهما.
نعم كثيرًا ما يعدون النجائب من الإبل للركوب، والجملة على ما ذهب إليه الجلبي عطف على المعنى فإن قوله تعالى: {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا} في معنى منها تركبون أو إن منها تأكلون في معنى لتأكلوا منها لكن لم يؤت به كذلك لنكتة.
وقال العلامة التفتازاني: إن هذه الجملة حالية لكن يرد على ظاهره أن فيه عطف الحال على المفعول له ولا محيص عنه سوى تقدير معطوف أي خلق لكم الأنعام منها تأكلون ليكون من عطف جملة على جملة.
وتعقبه الخفاجي بقوله: لم يلح لي وجه جعل هذا الواو عاطفة محتاجة إلى التقدير المذكور مع أن الظاهر أنها واو حالية سواء قلنا إنها حال من الفاعل أو المفعول والمنساق إلى ذهني العطف بحسب المعنى، ولعل اعتباره في جانب المعطوف أيسر فيعتبر أيضًا في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فيِهَا منافع} أي غير الركوب والأكل كالألبان والأوبار والجلود ويقال: إنه في معنى ولتنتفعوا بمنافع فيها أو نحو ذلك {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ} أي أمرًا ذا بال تهتمون به وذلك كحمل الأثقال من بلد إلى بلد، وهذا عطف على {لتركبوا منها} [غافر: 79] جاء على نمطه، وكان الظاهر المزاوجة بين الفوائد المحصلة من الأنعام بأن يؤتى باللام في الجميع أو تترك فيه لكن عدل إلى ما في النظم الجليل لنكتة.
قال صاحب الكشف: إن الأنعام هاهنا لما أريد بها الإبل خاصة جعل الركوب وبلوغ الحاجة من أتم الغرض منها لأن جل منافعها الركوب والحمل عليها، وأما الأكل منها والانتفاع بأوبارها وألبانها بالنسبة إلى ذينك الأمرين فنزر قليل، فأدخل اللام عليهما وجعلا مكتنفين لما بينهما تنبيهًا على أنه أيضًا مما يصلح للتعليل ولكن قاصرًا عنهما، وأما الاختصاص المستفاد من قوله تعالى: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فلأنها من بين ما يقصد للركوب ويعد للأكل فلا ينتقض بالخيل على مذهب من أباح لحمها ولا بالبقر، وقال صاحب الفرائد: إنما قيل {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فيِهَا منافع} ولم يقل: لتأكلوا منها ولتصلوا إلى المنافع لأنهم في الحال آكلون وآخذون المنافع وأما الركوب وبلوغ الحاجة فأمران منتظران فجىء فيهما بما يدل على الاستقبال.
وتعقب بأن الكل مستقبل بالنسبة إلى زمن الخلق.
وقال القاضي: تغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة، وقيل في توجيهه: يعني أن مدخول الغرض لا يلزم أن يترتب على الفعل، فالتغيير إلى صورة الجملة الحالية مع الإتيان بصيغة الاستمرار للتنبيه على امتيازه عن الركوب في كونه من ضروريات الإنسان.
ويطرد هذا الوجه في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فيِهَا منافع} لأن المراد منفعة الشرب واللبس وهذا مما يلحق بالضروريات وهو لا يضر نعم فيه دغدغة لا تخفى.
وقال الزمخشري: إن الركوب وبلوغ الحاجة يصح أن يكونا غرض الحكيم جل شأنه لما فيهما من المنافع الدينية كإقامة دين وطلب علم واجب أو مندوب فلذا جىء فيهما باللام بخلاف الأكل وإصابة المنافع فإنهما من جنس المباحات التي لا تكون غرض الحكيم.
وهو مبني على مذهبه من الربط بين الأمر والإرادة ولا يصح أيضًا لأن المباحات التي هي نعمة تصح أن تكون غرض الحكيم جل جلاله عندهم، ويا ليت شعري ماذا يقول في قوله تعالى: {هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} [يونس: 67] نعم لو ذكر أنه لاشتماله على الغرض الديني كان أنسب بدخول اللام لكان وجهًا إن تم.
وقيل: تغيير النظم الجليل في الأكل لمراعاة الفواصل كما أن تقديم الجار والمجرور لذلك.
وأما قوله تعالى: {وَلَكُمْ فيِهَا منافع} فكالتابع للأكل فأجرى مجراه وهو كما ترى، وقوله تعالى: {وَعَلَيْهَا} توطئة لقوله سبحانه: {وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} ليجمع بين سفائن البر وسفائن البحر فكأنه قيل: وعليها في البر وعلى الفلك في البحر تحملون فلا تكرار.
وفي إرشاد العقل السليم لعل المراد بهذا الحمل حمل النساء والولدان عليها بالهودج وهو السر في فصله عن الركوب، وتقديم الجار قيل: لمراعاة الفواصل كتقديمه قبل.
وقيل التقديم هنا وفيما تقدم للاهتمام؛ وقيل: {عَلَى الفلك} دون في الفلك كما في قوله تعالى: {احمل فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثنين} [هود: 40] لأن معنى الظرفية والاستعلاء موجود فيها فيصح كل من العبارتين، والمرجح لعلى هنا المشاكلة.
وذهب غير واحد إلى أن المراد بالأنعام الأزواج الثمانية فمعنى الركوب والأكل منها تعلقهما بالكل لكن لا على أن كلًا منهما مختص ببعض معين منها بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر بل على أن بعضها يتعلق به الأكل فقط كالغنم وبعضها يتعلق به كلاهما كالإبل ومنهم من عد البقر أيضًا وركوبه معتاد عند بعض أهل الأخبية، وأدرج بعضهم الخيل والبغال وسائر ما ينتفع به من البهائم في الأنعام وهو ضعيف.
ورجح القول بأن المراد الأزواج الثمانية على القول المحكي عن الزجاج من أن المراد الإبل خاصة بأن المقام مقام امتنان وهو مقتض للتعميم، والظاهر ذاك، وكون المقام مقام امتنان غير مسلم بل هو مقام استدلال كقوله تعالى: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] كما يشعر به السياق، ولا يأباه ذكر المنافع فإنه استطرادي.
{وَيُرِيكُمْ ءاياته} أي دلائله الدالة على كمال شؤونه جل جلاله {فَأَىُّ ءايات الله} أي فأي آية من تلك الآيات الباهرة {تُنكِرُونَ} فإن كلًا منها من الظهور بحيث لا يكاد يجترىء على إنكارها من له عقل في الجملة، فأي للاستفهام التوبيخي وهي منصوبة بتنكرون، وإضافة الآيات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة وتهويل إنكارها وتنكير أي في مثل ما ذكر هو الشائع المستفيض والتأنيث قليل ومنه قوله:
بأي كتاب أم بأية سنة ** ترى حبهم عارًا علي وتحسب

قال الزمخشري: لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهي في أي أغرب لإبهامه لأنه اسم استفهام عما هو مبهم مجهول عند السائل والتفرقة مخالفة لما ذكر لأنها تقتضي التمييز بين ما هو مؤنث ومذكر فيكون معلومًا له. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} ذكرنا عند قوله تعالى: {ما يجادل في ءايات الله إلا الذين كفروا} في أول هذه السورة (4) أن من صور مجادلتهم في الآيات إظهارهم عدم الاقتناع بمعجزة القرآن فكانوا يقترحون آيات كما يريدون لقصدهم إفحام الرسول صلى الله عليه وسلم فلما انقضى تفصيل الإِبطال لضلالهم بالأدلة البَيِّنَة والتذكير بالنعمة والإِنذارِ بالترهيب والترغيب وضرببِ الأمثال بأحوال الأمم المكذّبة ثم بوعد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنصر وتحقيق الوعد، أعقب ذلك بتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ما كان شأنُه إلا شأنَ الرُّسُل من قبله أن لا يأتوا بالآيات من تلقاءِ أنفسهم ولا استجابةً لرغائب معانديهم ولكنها الآيات عند الله يُظهر ما شاء منها بمقتضى إرادته الجارية على وفق علمه وحكمته، وفي ذلك تعريض بالرد على المجادلين في آيات الله، وتنبيه لهم على خطأ ظنهم أن الرُّسل تنتصب لمناقشة المعاندين.
فالمقصود الأهمّ من هذه الآية هو قوله: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أنْ يأتِيَ بِآيَةٍ إلاَّ بإذْننِ الله} وأما قوله: {وَلَقَدْ أرْسَلْنَا رُسُلًا مِن قَبْلِكَ} إلخ فهو كمقدمة للمقصود لتأكيد العموم من قوله: {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} وهو مع ذلك يفيد بتقديمه معنى مستقلًا من رد مجادلتهم فإنهم كانوا يقولون: {ما أنزل اللَّه على بشر من شيء} [الأنعام: 91] ويقولون: {لولا أنزل عليه ملك} [الأنعام: 8] فدُمغت مزاعمهم بما هو معلوم بالتواتر من تكرر بعثة الرسل في العصور والأمم الكثيرة.
وقد بعث الله رسلًا وأنبياء لا يعلم عددهم إلا الله تعالى لأن منهم من أعلم الله بهم نبيه صلى الله عليه وسلم ومنهم من لم يعلمه بهم إذ لا كمال في الإِعلام بمن لم يعلمه بهم، والذين أعلمه بهم منهم من قصّهُ في القرآن، ومنهم من أعلمه بهم بوحي غير القرآن فورد ذكر بعضهم في الآثار الصحيحة بتعيين أو بدون تعيين، ففي الحديث: «أن الله بعث نبيئًا اسمه عَبُّود عبدًا أسود» وفي الحديث ذكر حَنظلة بن صفوان نَبيُ أهل الرس، وذكرُ خالد بن سِنان نبي عَبس، وفي الحديث: «أن نبيئًا لسعَتْه نملة فأحرق قريتها فعوتِبَ في ذلك» ولا يكاد الناس يحصون عددهم لتباعد أزمانهم وتكاثر أممهم وتقاصِي أقطارهم مما لا تحيط به علوم الناس ولا تستطيع إحصاءه أقلام المؤرخين وأخبار القصاصين وقد حصل من العلم ببعضهم وبعض أممهم ما فيه كفاية لتحصيل العبرة في الخير والشر، والترغيب والترهيب.
وقد جاء في القرآن تسمية خمسةَ عشر رسولًا وهم: نوح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وهُود وصالح وشعيب وموسى وهارون وعيسى ويونس ومحمد صلى الله عليه وسلم واثنا عشر نبيئًا وهم: داود وسليمان وأيوب وزكرياء ويحيى وإلياس واليسع وإدريس وآدم وذو الكِفل وذو القرنين ولقمان ونبيئة وهي مريم.
وورد بالإِجمال دون تسمية صاحبُ موسى المسمى في السنة خضراء ونبيُ بني إسرائيل وهو صمويل وتُبَّعٌ.
وليس المسلمون مطالبين بأن يعلموا غير محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الأنبياء الذين ذكروا في القرآن بصريح وصف النبوءة يجب الإِيمان بنبوءتهم لمن قرأ الآيات التي ذكروا فيها وعدتهم خمسة وعشرون بين رسول ونبيء، وقد اشتمل قوله تعالى: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} إلى قوله: {ولوطًا} [الأنعام: 83 86] على أسماء ثمانية عشر منهم وذكر أسماء سبعة آخرين في آيات أخرى وقد جمعها من قال:
حَتْم على كل ذي التكليف معرفة ** بأنبياء على التفصيل قد علموا

في تلك حجتنا منهم ثمانية ** من بعد عشر ويبقى سبعة وهم

إدريس هود شعيب صالح وكذا ** ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا

واعلم أن في كون يوسف رسولًا ترددًا بينتُه عند قوله تعالى: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات} في هذه السورة (34)، وأن في نبوءة الخضر ولقمان وذي القرنين ومريم ترددًا.
واخترتُ إثبات نبوءتهم لأن الله ذكر في بَعْضهم أنه خاطبهم، وذكر في بعضهم أنه أوتى الحِكمة وقد اشتهرتْ في النبوءة، وفي بعضهم أنه كلمتْه الملائكة.
ولا يجب الإِيمان إلا بوقوع الرسالة والنبوءة على الإِجمال.
ولا يجب على الأمة الإِيمان بنبوءة رسالة معين إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم أو من بلغ العلمُ بنبوءته بين المسلمين مبلغ اليقين لتواتره مثل موسى وعيسى وإبراهيم ونوح.
ولكن من اطلع على ذكر نبوءة نبيء بوصفه ذلك في القرآن صريحًا وجب عليه الإِيمان بما علمه.
وما ثبت بأخبار الآحاد لا يجب الإِيمان به لأن الاعتقادات لا تجبُ بالظن ولكن ذلك تعْليم لا وجوبُ اعتقاد.
وتنكير {رسلًا} مفيد للتعظيم والتكثير، أي أرسلنا رسلًا عددهم كثير وشأنهم عظيم.
وعطف {ومَا كَانَ لِرَسُولٍ} إلخ بالواو دون الفاء يفيد استقلال هذه الجملة بنفسها لما فيها من معنى عظيم حقيق بأن لا يكون تابعًا لغيره، ويكتفي في الدلالة على ارتباط الجملتين بموقع إحداهما من الأخرى.
والآية: المعجزة، وإذن الله: هو أمر التكوين الذي يخلق الله به خارق العادة ليجعله علامة على صدق الرسول.
ومعنى إتيان الرسول بآية: هو تحديه قومه بأن الله سيؤيده بآية يعينّها مثل قول صالح عليه السلام: {هذه ناقة الله لكم آية} [الأعراف: 73] وقول موسى عليه السلام لفرعون: {أَوَلَو جئتك بشيء مبين} [الشعراء: 30] الآية.
وقول عيسى عليه السلام: {إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيها فيكون طائرًا بإذن اللَّه} [آل عمران: 49] وقول محمد صلى الله عليه وسلم: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23].
فالباء في {بآية باء التعدية لفعل أَنْ يَأْتِيَ} وأما الباء في {بإذن الله} فهي باء السببية دخلت على مستثنىً من أسباب محذوفة في الاستثناء المفرغ، أي ما كان له أن يأتي بآية بسبب من الأسباب إلا بسبب إذن الله تعالى.
وهذا إبطال لما يتوركون به من المقترحات والتعلات.
وفُرع عليه قوله: {فَإذَا جَاءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بِالحَقِّ} أي فإذا جاء أمر الله بإظهار الرسول آية ظهر صدق الرسول وكان ذلك قضاء من الله تعالى لرسوله بالحق على مكذبيه، فإذن الله هو أمره التكويني بخلق آية وظهورها.
وقوله: {فَإِذَا جَاءَ أمْرُ الله} الأمر: القضاء والتقدير، كقوله تعالى: {أتى أمر اللَّه فلا تستعجلوه} [النحل: 1] وقوله: {أو أمر من عنده} [المائدة: 52] وهو الحدث القاهر للناس كما في قول عمر لما قال له أبو قَتادة يومَ حُنين ما شأن الناس حين انهزموا وفَرّوا قال عمر: أَمرُ الله.
وفي العدول عن: إذن الله، إلى {أَمْرُ الله} تعريض بأن ما سيظهره الله من الإِذن لمحمد صلى الله عليه وسلم هي آيات عقاب لمعانديه، فمنها: آية الجوع سبع سنين حتى أكلوا الميتة، وآيةُ السيففِ يوم بدر إذْ استأصل صناديدَ المكذبين من أهل مكة، وآية السيففِ يوم حُنين إذ استأصل صناديدَ أهل الطائف، وآية الأحزاب التي قال الله عنها: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللَّه عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها} [الأحزاب: 9] ثم قال: {وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى اللَّه المؤمنين القتال وكان اللَّه قويًا عزيزًا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضًا لم تطؤها وكان الله على كل شيء قديرًا} [الأحزاب: 25 27].
وفي إيثار {قُضِيَ بِالحَق} بالذكر دون غيره من نحو: ظهر الحق، أو تبين الصدق، ترشيح لما في قوله: {أَمْرُ الله} من التعريض بأنه أمر انتصاف من المكذبين.